المدونة

أفلام البنات في السينما المصرية

  • 0 comments

أفلام البنات في السينما المصرية

نور الصافوري

 بين عامي 1952 و1980، تم إنتاج أكثر من عشرين فيلماً كانت البطلة الرئيسية فيها بنت. يجمع بين هذه الأفلام قواسم مشتركة، وعلى الرغم من اختلاف سير الحبكة، إلا أن القصة تتبع مساراً مشابهاً:  

فتاة شابة جميلة تنصب شباكها للإيقاع بشاب وسيم. عادة ما يبادلها الشاب الحب ولكنهما يواجهان العقبات التي تحول دون النهاية السعيدة. ينتهي الفيلم بحل المشكلة التي كانت تعيقهما عن الوصول للنهاية السعيدة، ومع نهاية الفيلم يتعلم الزوجان الشابان ولا سيما الفتاة درساً مهماً (أخلاقياً في كثير من الأحيان).

هذا القوس السردي هو سمة لفئة (أو ربما نوع) من الأفلام لم يُعرّف من قبل: أفلام البنات. تطورت أفلام البنات بعد انقلاب 1952، ودخلت في مرحلة مراجعة مع بداية السبعينيات. بينما كانت مصر تتفاوض على الاستقلال وتحلم بمجتمع جديد، تكشف أفلام البنات عن المخاوف والقصص التي تحيط بالبنات ومرحلة الصبا في مجتمع يتغير بخطى سريعة. بالرجوع إلى قائمة الملصقات في مجموعة الأحلام الوردية لدى أضواء المدينة، يمكنني أن أحدد عشرة عناصر ساهمت في تأسيس أفلام البنات كنوع من الأفلام في السينما الشعبية المصرية.

سلوى (ماجدة) وليلى (آمال فريد) في بنات اليوم (هنري بركات، 1957)

سلوى (ماجدة) وليلى (آمال فريد) في بنات اليوم (هنري بركات، 1957)


1. البطل الرئيسي للفيلم في أفلام البنات هي بنت. تتأرجح مرحلة الصبا بين الطفولة والنضج، فالبنت على مشارف أن تصبح امرأة. هذه المرحلة الانتقالية تربك والدها ووالدتها وأحياناً أعمامها وحتى أساتذتها. وتواجه الشخصيات التي تمثل السلطة تحديًا في طبيعة التعامل مع هذه المرحلة من حياة البنت.

يكشف فيلم «بنت 17» (كمال عطية، 1958) في مشهده الأول عن صفاء (زبيدة ثروت) التي بلغت سن السابعة عشرة في المشهد الافتتاحي, تخبر صفاء صديقتها ديدي عبر الهاتف أنها أصبحت «ست محترمة تبلغ من العمر 17 عاماً و 12 ساعة». يمكن لصفاء الآن أن تجذب انتباه الرجال وها هي قد أصبحت مؤهلة للزواج.

على عكس المرأة الناضجة (المتزوجة أو تلك المتمرسة في فن الإغواء)، يتم تصوير البنت على أنها ساذجة في مسائل الرومانسية ولفت انتباه الرجال. لهذا فهي تحتاج إلى الحماية وتسبب الارتباك ضمن محيطها الاجتماعي. يفترض أيضا أن تجسّد البنت صورة عن الأنوثة التي يسهل «السيطرة» عليها.

ملصق فيلم «بنت 17» (كمال عطية، 1958)، من تصميم عبد العزيز

ملصق فيلم «بنت 17» (كمال عطية، 1958)، من تصميم عبد العزيز


2. في بعض الأفلام، تُقدّم مرحلة الصبا في سياق الأمومة، وليس فقط من الناحية العمرية. في أفلام مثل «صباح الخير يا زوجتي العزيزة» (عبد المنعم شكري، 1969) و«أوهام الحب» (ممدوح شكري، 1970)، و«أنا في عينيه» (سعد عرفة، 1978)، تعيش البطلة فترة صبا مطولة على الرغم من أنها قد تزوجت.

في فيلم «شقة مفروشة» (حسن الإمام، 1970)، تنبع الفكاهة من خلط الشخصيات للحالة الاجتماعية لأبطال الفيلم، ويبيّن الفيلم الاختلاف بين المفاهيم التي تحكم نظرة المجتمع للبنت، مشيراً إلى الصبا في مقابل النضج والأمومة. تتولّى زينب (ماجدة الخطيب) رعاية طفل وتتقاسم شقة مع حسين (أحمد مظهر) في ما يبدو وكأنه أسرة نشأت بمحض الصدفة، قبل الزواج. عند زيارة والد حسين وخطيبته، يشككان في وضع زينب كبنت. هذا الخلط بين ما تبدو عليه زينب وحسين كزوجين، بالرغم من عدم كونهما كذلك، هو نقطة البداية للعديد من المشاهد الكوميدية للفيلم. 

3. البنت لا تستخدم أي أساليب جنسية ولا تحاول التلاعب بالرجال. إنها عفيفة ورزينة وابنة جيدة. وغالبا ما يتم التأكيد على هذا الجانب من خلال مقارنتها بالنساء الأخريات في الفيلم.

في فيلم «بنت 17»، تُقارَن صفاء مع زوجة أب أعز صديقاتها، بطة.  تعيش بطة على هواها، في حين أن صفاء لم تقبّل كمال (أحمد رمزي) ولا حتى قبلة. في «شباب اليوم» (محمود ذو الفقار، 1958)، ترتدي فتحية (مريم فخر الدين) ملابس محتشمة وتتمنع عن التواصل مع الرجال. بالمقابل، ترتدي نوال (ناريمان) فساتين كاشفة وهي بارعة وموهوبة في الإغراء.

ملصق «شباب اليوم» (محمود ذو الفقار، 1958)، من تصميم عزيز

ملصق «شباب اليوم» (محمود ذو الفقار، 1958)، من تصميم عزيز


4. الفتاة ذات أخلاق «حميدة». يتغير مفهوم الأخلاق الحميدة تاريخياً، لكن من السمات المتكررة للأخلاق الحميدة هي ألا تسعى البنت وراء رجل لثروته.

 في فيلم «سبعة أيام في الجنة» (فطين عبد الوهاب، 1969)، تتسبب كروان (نجاة) في التنافس بين صديقين، يوسف وحسين، حيث ينجذب كلاهما إليها. تدرك كروان خطأها مع تقدم أحداث الفيلم، ولا تتزوج يوسف الرجل الثري، مع أن الفرصة كانت سانحة أمامها لتقدم على ذلك. وترسل لحسين (الرجل الذي تحبه بالفعل) رسالة تخبره فيها عن حياتها الحقيقية وتعود إلى عملها لتغني في الشوارع.

 بالمثل، تجسد فتحية (سعاد حسني) الشخصية الخيرّة في فيلم «فتاة الاستعراض» (محمود ذو الفقار، 1969). وتعبّر فتحية عن قيم مثل الكفاح والصدق، وهي قيم أصبحت أكثر أهمية في مصر بعد الهزيمة. يرتبط الترفع عن الاهتمامات المادية بالمرتبة الأخلاقية العالية لبطلة الفيلم. مع دخول أفلام البنات في مرحلة تجديدية في السبعينيات، لم تعد الفتاة صالحة تماماً، وبات اهتمامها بالمال عنصراً رئيسياً في السردية يتم من خلاله تصوير أخلاقها غير الواضحة (مثل حالة آمال في فيلم «أنا في عينيه»).

5. الأب الحقيقي إما متوفى أو متزوج زوجة ثانية أو موجود بكامل سلطته. لاحظ أن بطلة الفيلم في أفلام البنات تنتمي دائماً إلى عائلة غير مستقرة، وغالباً ما يرتبط عدم الاستقرار بوضع والدها الحقيقي.

الأب المتسلط هو نمط مثير للاهتمام. في فيلم «أسرار البنات»، يؤكد والد سنية (نجلاء فتحي) – وهو جزار – على وجوب أن تكون تنورتها تحت الركبة وأن ترتدي غطاء على رأسها، للدلالة على الحشمة. في «بنت 17»، يقوم والد صفاء بتوبيخها لعدم اهتمامها بالدراسة. في «عشاق الحياة» (حلمي حليم، 1971)، يمنع الأب ابنته من الزواج من رجل أدنى منها في السلم الاجتماعي لأن ذلك يجلب العار إلى اسم العائلة. الأب في أفلام البنات هو شخصية تأديبية، يصر على التمسك بالقيم الاجتماعية والتقاليد الأخلاقية السائدة.

ملصق فيلم «أسرار البنات» (محمود ذو الفقار، 1969)، من تصميم جسور

ملصق فيلم «أسرار البنات» (محمود ذو الفقار، 1969)، من تصميم جسور


6. تعتبر الأم أن عليها أن تجد لابنتها «عريس لقطة». في فيلم «ليلة الزفاف» (هنري بركات، 1966)، والد سلوى (سعاد حسني) متوفى، وتتولى والدتها (عقيلة راتب) رعايتها. تعارض الأم حب سلوى البريء خلال عطلة الصيف، وترتب لابنتها الزواج بالطبيب المحترم الذي يعيش بالقرب منهم. وتتظاهر بالمرض لإنهاء العطلة الصيفية في وقت مبكر ثم تتظاهر مراراً بالتوعك لترتيب لقاء بين الطبيب مجدي (أحمد مظهر) وابنتها. على عكس شخصية الأب، تمارس الأم وصايتها عن طريق التماس مشاعر ابنتها.

سلوى (سعاد حسني) في «ليلة الزفاف» (هنري بركات عام 1966)

سلوى (سعاد حسني) في «ليلة الزفاف» (هنري بركات عام 1966)


7. العلاقة القوية بين الفتاة وأعز صديقاتها هي أيضا سمة لأفلام البنات. نوال (شمس البارودي) هي أعز صديقة لسلوى في فيلم «ليلة الزفاف»، وأسماء هي أعز صديقة لصفاء في «بنت 17». تساعد الصديقة المقربة على إبراز تفوق بطلة الفيلم. إنها أقل جاذبية وتفشل في لفت انتباه من تحب. في «أحلام البنات» (يوسف معلوف، 1959)، تقوم الحكاية على التنافس بين الصديقات الثلاث، درية وهدى وناهد. الصديقة المقربة هي إما أدنى من بطلة الفيلم (أخلاقيا و/أو جسديا)، أو منافسة لها.

ملصق فيلم «أحلام البنات» (يوسف معلوف، 1959)، من تصميم جسور

ملصق فيلم «أحلام البنات» (يوسف معلوف، 1959)، من تصميم جسور


8. تستعير أفلام البنات عناصر من أفلام الميلودراما والأفلام الغنائية. يرتبط كلا النوعين ارتباطاً وثيقاً في السينما المصرية. الأفلام الغنائية هي ذلك النوع الذي يدور حول علاقات الحب السرية، وخاصة تلك التي تتطور على الرغم من الاختلافات الطبقية، بينما غالباً ما تتناول أفلام الميلودراما الحساسية البرجوازية وتناقش الأعراف الأخلاقية السائدة والقيم الاجتماعية. أفلام البنات هو شكل يمزج ويستعير من النوعين.

 في فيلم «عشاق الحياة»، أحمد (محرم فؤاد) مطرب صاعد تقع في حبه منى (نادية لطفي)، الفتاة الأرستقراطية. في الأفلام الغنائية، عادة ما يقع الرجل في حب الفتاة؛ لكن هنا تكشف منى حبها لأحمد أولاً. على الرغم من أن أفلام البنات لا تزال تحمل مراعاة للمجتمع الأبوي، إلا أنها تؤكد على رغبات وأفعال البنات. ففي هذه الأفلام البنت واختياراتها مركز الأحداث، وغالبا ما تحرّك ردود أفعالها المتمردة الأحداث. عند إقدامها على فعل التمرد النمطي، وهو الهروب من حفلة الزفاف، يقع حادث يصيبها بالشلل الجسدي وبالتالي «تتجرد» من روحها المتمردة. لم تعد قادرة على الهرب، حرفياً ومجازياً.

9. تدور أفلام البنات حول عثور البطلة على «فتى أحلامها». في أفلام البنات، على البنت أن تختار من تتزوج. تُقحم البنت في رحلة رومانسية لتقوم بالاختيار الأمثل. وتتكشف الحكاية على محاولة الآخرين التأثير على هذا الاختيار.

في مصر ما بعد عام 1952، تعكس أفلام البنات المخاوف الاجتماعية المصاحبة لمشروع التحديث المدعوم من الدولة. فالبنت العصرية تقوم باختيار شريك حياتها. ومع ذلك، فهي غير جديرة بالثقة لاتخاذ القرار المناسب. وهنا تلعب السينما دوراً في إظهار ما هو الزواج المقبول اجتماعياً، وكيف تبدو العلاقات المرفوضة اجتماعياً بين الرجل والمرأة. في هذه الفترة، لعبت السينما دوراً في الترويج لأنماط الحب والجنس التي تتماشى مع الحسّ القومي.

أمل (منى بدر) في «رجل أحلامي» (حلمي رفلة، 1957)

أمل (منى بدر) في «رجل أحلامي» (حلمي رفلة، 1957)


10. تتطور عناصر ودلالات أفلام البنات تاريخياً. من منتصف السبعينيات وحتى أواخرها، دخل هذا النوع مرحلة مراجعة. نشهد نوعاً جديداً من البنات وشخصية أم جديدة مناسبة لعصر الانفتاح. فهن أخلاقياً لسن طيبات إلى درجة السذاجة ولا سيئات تماماً، وتتمحور مفاهيمهن عن «العريس اللقطة» حول المال. وهن من الطبقة الوسطى التي كانت تعاني وقتها من الإفقار ولم يعد الزواج تلك النهاية السعيدة المرجوة.

 في عام 1978، في فيلم «أنا في عينيه»، تصاب آمال (نجلاء فتحي) في حادث سيارة خارج المدرسة. يتكفل عادل (محمود عبد العزيز)، الرجل الذي صدمها، بها وبوالدتها مالياً بعد الحادث. يبدأ الفيلم مع عادل وهو يسرق حلم آمال. كان حلم آمال أن تكون طبيبة وكان ذلك بمثابة تذكرة للصعود في السلم الاجتماعي، لكنها تتغيب عن امتحاناتها في الثانوية بسبب الحادث. بعد أن باءت محاولته إغراءها بالفشل، يتقدم عادل بطلب الزواج. في فيلم «أنا في عينيه»، تقرر أمال الزواج من الرجل الثري وتحثها والدتها – التي تلعب دورها تحية كاريوكا – على الزواج من الرجل الذي يمكن أن يضمن لها ألا تعود للفقر.

ملصق فيلم «أنا في عينيه» (سعد عرفة، 1978)، من تصميم جسور

ملصق فيلم «أنا في عينيه» (سعد عرفة، 1978)، من تصميم جسور


في الثمانينيات، تصبح البنات أخوات أو موضع اهتمام الشباب ضمن عالم البطل الرئيسي للفيلم. تراجعت روايات الأفلام التي تتمحور حول البنت كبطلة أساسية. كانت السنوات بين عامي 1952 و1980 العصر الذهبي لأفلام البنات. وما تزال البنت اليوم حاضرة في الحكاية، ولكنها في كثير من الأحيان ليست أكثر من شخصية داعمة لبطل الفيلم الشاب. وعلى الرغم من أهمية أن نتساءل لماذا كان الوضع الاجتماعي للبنت هو الملهم في الروايات والقصص التي تدور حولها في فترة ما بين الخمسينيات والسبعينيات، فمن المهم أيضاً أن نلاحظ استمرار تطور مفاهيم وصور الصبا، بعيداً عن فئة أفلام البنات، في السينما والتلفزيون والأغاني.

لمشاهدة ملصقات بعض أشهر أفلام البنات المصرية المحبوبة، يرجى زيارة مجموعة الأحلام الوردية لدى ملصقات أضواء المدينة.



نور الصافوري ناقدة سينمائية ومحررة تتعامل مع صناعة الكتب بالمعنى الموسع بحيث تتقاطع مع الجمع والانتقاء الفني. نُشرت كتاباتها في كتالوجات معارض متعددة. نور حاصلة على درجة الماجستير في الدراسات السينمائية من كلية كينجز في لندن ودرجة البكالوريوس من جامعة جونز هوبكنز، وهي عضو في مجموعة ق. ل. تدير مع شهد الصباغ قائمة نشر عصمت وتعمل كمحررة لها.

اشترك في قائمتنا البريدية لتصلك آخر المقالات وإصدارات الملصقات والعروض الخاصة.

Share this
Older Post Newer Post